مقدمة:
يتميز المجال المتوسطي بتباين
كبير في درجة النمو بين ضفتيه الشمالية (الأروبية) والجنوبية (الأفروآسيوية)،
وللتخفيف من حدة هذا التفاوت تم إطلاق ما يسمى بالتعاون الأورومتوسطي الذي يشكل
إعلان برشلونة إطارا مرجعيا له.
●فما هي الخصائص
الجغرافية لموقع المجال المتوسطي طبيعيا وبشريا؟
●وأين تتجلى مظاهر التفاوت في مستوى التنمية
بين شماله وجنوبه ؟
●وما واقع وحصيلة التعاون الأورومتوسطي في
تقليص الفجوة بين ضفتيه وآفاقه المستقبلية؟
I): توطيــــن المجــــال
المتوسطــــي ووصــــف بعض خصائصـــه العامـــة.
1): توطين المجال المتوسطي وبعض خصائص موقعه.
المجال
المتوسطي: عبارة عن فضاء جغرافي يتكون
من مجموعة من البلدان المطلة على البحر الأبيض المتوسط تلتقي فيه قارات إفريقيا
وأوربا وآسيا.
يمتد المجال المتوسطي بين خطي عرض 21° و°48
شمالا، ومابين خطي طول °40 شرقا و°17 غربا. ويوجد بذلك في ملتقى قارات أوربا
وإفريقيا وآسيا. وإذا كان هذا المجال يضم البحر الأبيض المتوسط الذي يشكل عموده
الفقري، فإنه يطل على المحيط الأطلنتي غربا، والبحر الأحمر في الجنوب الشرقي، ثم
البحر الأسود في الشمال الشرقي.
وتحتل المنطقة المتوسطية موقعا جغرافيا
متميزا بوجودها في محور رئيسي من محاور الملاحة العالمية، ولتحكمها أيضا في مضايق
وممرات بحرية حيوية، كمضيق جبل طارق، والبوسفور، والدردنيل، وممر قناة السويس. كما
أن موقع المجال المتوسطي يجعله في منطقة احتكاك واتصال بين عالمين متباينين في
النمو الاقتصادي والاجتماعي، هما: العالم النامي في الجنوب والشرق والعالم المتقدم
في الشمال الذي تمثله بلدان أروبا الغربية.
2): وصف بعض المميزات العامة للمجال المتوسطي طبيعيا ويشريا.
أ): الخصائص الطبيعية:
يتميز المجال المتوسطي بوجود خصائص طبيعية
متباينة، تتجلى فيما يلي:
●التضاريس:
غلبة التضاريس الجبلية التي تمتد على مساحات شاسعة مثل سلسلة جبال الألب بالشمال
وجبال طوروس وسلسلة جبال الأطلس بالجنوب...، إضافة إلى قلة السهول والانتشار
الكبير للأراضي الصحراوية في القسم الجنوبي.
●المناخ:
مناخ المجال
المتوسطي يتسم بالتنوع والتدرج، حيث يعرف سيادة المناخ المتوسطي والمعتدل
(المحيطي) الذي يعرف تساقطات مهمة في الشمال، أما في الجنوب والشرق غلبة المناخ
الصحراوي القاحل والمتوسطي شبه الجاف.
وفيما يتعلق بالإمكانات التي يوفرها الوسط
الطبيعي، فيمكن القول عنها بأنها ضئيلة، بفعل هيمنة الأراضي غير الصالحة للاستغلال
التي تختلف نسبتها ما بين الضفتين الشمالية (%73) والجنوبية (85,7%).
ب): الخصائص البشرية:
تتمثل المميزات الديمغرافية لضفتي المجال
المتوسطي في تباين الخصائص السكانية، حيث أن القسم الجنوبي أكثر عددا من حيث
السكان (281 مليون نسمة)، وله بنية ديمغرافية فتية، ونمو سكاني سريع (%2) ومعدل
أمد الحياة يبلغ 73 سنة. بينما القسم الشمالي أقل عددا من حيث السكان (217 مليون
نسمة)، ويتصف بتركيبة سكانية يغلب عليها فئتي الكهول والشيوخ، ومعدل أمد الحياة
يتجاوز 77 سنة، وترتبط هذه الخصائص السكانية بعدة عوامل اقتصادية واجتماعية
وثقافية.
أما فيما يخص التوزيع الجغرافي للسكان، فمعظمهم
يتركز في السواحل المتوسطية والأطلنتية التي تعرف ارتفاعا في كثافتها السكانية ، خاصة
في الضفة الجنوبية بفعل تأثير عدة عوامل طبيعية واقتصادية...
II): وصف بعض مظاهر عدم التكافؤ في
الميدان الاقتصادي داخل المجال المتوسطي.
1): مظاهر التفاوت بين شمال وجنوب المجال المتوسطي من حيث الإنتاج الاقتصادي.
تتمثل مظاهر التفاوت بين قسمي المجال المتوسطي في ميدان الإنتاج الاقتصادي،
فيما يلي:
أ): في
الميدان الفلاحي:
تفوق الشمال المتوسطي في إنتاج كافة المنتجات
الزراعية التي تصل إلى درجة الفائض، حيث تجاوز إنتاج الحبوب 109,8 مليون طن سنة
2012 والتفوق أيضا في تربية المواشي التي تجاوزت 142 مليون رأس، بينما تبرز مكانة
الجنوب المتوسطي إلا في تربية الأغنام. ويفسر هذا التفاوت بعوامل عدة: طبيعية حيث
أن الإمكانات الطبيعية بالشمال المتوسطي توفر ظروفا ملائمة للنشاط الفلاحي عكس
الجنوب المتوسطي، وعوامل تنظيمية وتقنية، تتمثل في توظيف البحث العلمي (الزراعي)
لتطوير الإنتاج، واستعمال المكننة واستصلاح الأراضي الزراعية بالقسم الشمالي، في
حين الفلاحة بالجنوب تقليدية تعتمد في مجملها على الأمطار.
ب): في الميدان الصناعي:
يشهد المجال
الصناعي تفاوتا هو الآخر، حيث أن النشاط الصناعي بالشمال المتوسطي كثيف ومتطور
ومرتفع القيمة، يعتمد على الصناعات التكنولوجية الدقيقة على الرغم من افتقار بلدان
الشمال للموارد الطبيعية، كما يتسم بتعدد المراكز والمدن الصناعية الكبرى. أما
النشاط الصناعي في القسم الجنوبي، فهو ضعيف ويرتكز على الصناعات الاستهلاكية
والاستخراجية منخفضة القيمة، وذلك على الرغم من توفر بلدانه على إمكانات وموارد
طبيعية وطاقية مهمة.
IV): مجالات التعاون الأورومتوسطي وحصيلته وتحدياته وآفاقه المستقبلية.
2): حصيلة التعاون الأورومتوسطي وآفاقه.
أ):
الحصيلة:
حقق التعاون الأورومتوسطي عدة نتائج إيجابية،
منها: التوقيع على عدة اتفاقيات للشراكة، وتمويل عدة مشاريع اقتصادية واجتماعية من
طرف برنامج « ميدا »، وزيادة حجم صادرات الجنوب نحو الشمال المتوسطي،
إضافة إلى حدوث نمو محسوس في الاستثمارات الأوربية الموجهة نحو بلدان جنوب وشرق
المتوسطي.
إلا أن هناك جوانب أخرى لم تحقق بعد النتائج
المنتظرة، كضعف الانفتاح التجاري، ومحدودية المبادلات بين الجانبين، وضعف تدفق
الاستثمارات الأوربية، وعدم تحقق التكتل والاندماج الاقتصادي بين دول جنوب وشرق
المجال المتوسطي...
ب):
التحديات والآفاق المستقبلية:
تتمثل التحديات التي تواجه التعاون
الأورومتوسطي في تزايد الهجرة السرية نحو الشمال، وضعف تدفق الاستثمارات نحو
الجنوب واستمرار نهج السياسة الحمائية إضافة إلى الصراعات
والأزمات السياسية بالمنطقة...
أما فيما
يتعلق بالآفاق المستقبلية لهذا التعاون، فيمكن تقسيمها إلى قسمين حسب النظرة
المتشائمة والنظرة المتفائلة:
●النظرة المتشائمة: ترى أن الحصيلة هزيلة والآفاق غامضة
بسبب انشغال الاتحاد الأوربي واهتمامه بتنمية الأعضاء الجدد في شرق وجنوب شرق
أوربا، وضعف الاهتمام بدول الجنوب (ضعف الاستثمارات والمساعدات الممنوحة، ضعف نسبة
التجارة …)، وحرص الأوربيين على مصالحهم أكثر من اهتمامهم بتنمية الجنوب، وتركيزهم
على قضايا السياسة والأمن (الهجرة، المخدرات، الإرهاب...)
●النظرة المتفائلة: ترى أنه من الضرورة الإشادة بما تحقق
ولو كان يسيرا (تزايد نسبة التجارة والاستثمارات الأجنبية)، والدعوة لتطوير
التجربة مستقبلا من خلال الإسراع بتحقيق الاندماج الجهوي بين بلدان الجنوب
المتوسطي، وتدارك التأخر بنهج إصلاحات عميقة في دول الجنوب المتوسطي (تحرير
الاقتصاد، تحسين مناخ الاستثمار، ونشر الديمقراطية)...
خاتمة:
يعتبر المجال المتوسطي نموذجا يمكن من خلال جرد
ملامح التباين الكبير بين دول الشمال المتقدمة التي تمثلها الضفة الشمالية ودول
الجنوب النامية التي تمثلها بلدان الضفة الجنوبية.
مصطلحات ومفاهيم
●المجال المتوسطي: هو الفضاء الجغرافي المكون من البلدان المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط
والمنتمية للقارات الثلاث: إفريقيا (المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، ومصر) وآسيا (فلسطين،
لبنان، سوريا ثم تركيا) وأوربا (إسبانيا، فرنسا، إيطاليا، سلوفينيا، كرواتيا،
صربيا، الجبل الأسود، البوسنة، ألبانيا، مقدونيا، اليونان، مالطة ثم قبرص).
●عدم التكافؤ بين الشمال والجنوب: هي التباينات المجالية
(الطبيعية والبشرية) والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الموجودة مابين البلدان
المتقدمة الواقعة في أمريكا الشمالية وأوربا الغربية واليابان وأستراليا وبعض
الدول الصناعية الجديدة من جهة، والبلدان النامية في أمريكا اللاتينية وإفريقيا
وآسيا من جهة أخرى.
●مؤشر التنمية البشرية: مؤشر إحصائي مركب، يقوم على
ثلاثة مؤشرات: الدخل الفردي، ومستوى التعليم، وأمد الحياة، يستعمل لتصنيف بلدان
العالم حسب درجة تنميتها.
●الاتحاد من أجل المتوسط: منظمة دولية بيحكومية ذات صبغة
إقليمية، مكونة من البلدان المطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط أسست يوم 13
يوليوز 2008 في باريس. تسعى إلى إعطاء نفس جديد لإعلان برشلونة.
●الشراكة: تعاقد بين طرفين أو أكثر(أشخاص أو شركات...)، للتعاون وتبادل المنفعة في
مجالات متعددة.
●منطقة
التبادل الحر: منطقة تضم دولا تتفق
على تحرير المبادلات التجارية فيما بينها.
●منطقة
حرة: منطقة تقع في الغالب
داخل ميناء، تتمتع بامتيازات جمركية وجبائية لاستقطاب رؤوس الأموال خاصة الأجنبية
وتشغيل يد العاملة المحلية.
●برنامج ميدا: برنامج مالي أروبي مخصص للتعاون
الخارجي يمول مشاريع الشراكة لبلدان الأعضاء في الاتفاق الأرورمتوسطي وينقسم إلى
ميدا 1(من 1995 إلى 1999) وميدا 2 (من 2000 إلى 2006).
لتحميــــــــــــل الـــــــــــدرس اضغـــــــــــط هنـــــا
تعليقات
إرسال تعليق
أكتب تعليقك إذا كان لديك أي تساؤل أو ملاحظة أو إضافة