القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

التكثيف الزراعي وتأثيره على الموارد المائية والترابية بمنطقة الحوزية

 

التكثيف الزراعي وتأثيره على الموارد المائية والترابية بمنطقة الحوزية

محمد اجميلو: طالب بسلك الماستر، جامعة الحسن الثاني، كلية الآداب والعلوم الإنسانية المحمدية.
عبد المجيد السامي: أستاذ باحث، جامعة الحسن الثاني، كلية الآداب والعلوم الإنسانية المحمدية.
رشيد أبوالطيب: دكتور مهندس باحث بالمعهد الوطني للبحث الزراعي- سطات.
لتحميل المقال بصيغة PDF المرجو الضغط هنا

تقديم:

   تعتبر الزراعة من بين أهم الأنشطة الاقتصادية المنتجة بالمغرب، حيث تساهم بحوالي %15 في الناتج الداخلي الخام وذلك على الرغم من محدودية الأراضي الصالحة للزراعة والتي تشكل تقريبا %10 من إجمالي مساحة البلاد، ينحصر معظمها في السهول الشمالية الأطلنتية، والتي يأتي في مقدمتها سهل دكالة الذي يعد أحد الدوائر السقوية الكبرى في المغرب والذي يعرف تكثيف زراعي مهم موروث عن الحقبة الاستعمارية.

   ينقسم سهل دكالة إلى قسمين، الأول: سقوي يشرف عليه المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي وهو الذي يستفيد من المشاريع الهيدروفلاحية عن طريق مده بمياه السدود المقامة على ضفاف واد أم الربيع بواسطة السواقي. والقسم الثاني: بوري يخضع لنفوذ المديرية الإقليمية للفلاحة بالجديدة وهو الذي يضم منطقة الدراسة (الحوزية).

   فمنطقة الحوزية على الرغم من كونها تندرج ضمن النطاق البوري إلا أنها بدأت في السنوات الأخيرة تتجه نحو عصرنة القطاع الزراعي من خلال الاعتماد على مجموعة من الوسائل والتقنيات الحديثة والمدخلات العضوية والكيميائية إلى جانب السقي عن طريق الضخ من الفرشة الباطنية، وذلك بغية تكثيف الإنتاج الزراعي من أجل تحقيق أكبر قدر من الأرباح المادية، والحد من الصعوبات ومعيقات الوسط الطبيعي والاستجابة إلى الحاجيات والمتطلبات الغذائية للساكنة المحلية، ولا يمكن أن يتحقق هذا إلا عبر الضغط على الموارد الطبيعية، مما يجعل إشكالية الاستدامة الكمية والنوعية للموارد المائية والترابية تطفو على السطح.

   إذن؛ انطلاقا مما تقدم أعلاه، يمكن طرح إشكالية رئيسية ستشكل محور هذه الدراسة، وهي كالتالي:

 ما مدى تأثير التكثيف الزراعي على الموارد المائية والترابية بمنطقة الحوزية؟

   تقتضي الإجابة عن هذه الإشكالية المرور عبر الإجابة على مجموعة من الأسئلة الفرعية قصد الوصول إلى جواب نهائي على الإشكالية الرئيسية، وهذه الأسئلة مدرجة كالتالي:

  • ما هي المؤهلات الطبيعية والبشرية لمنطقة الحوزية؟ 
  •  وما هي أهم مظاهر التكثيف الزراعي بالمنطقة؟
  • وإلى أي حد يؤثر التكثيف الزراعي على الخصائص النوعية والكمية للموارد المائية والترابية بمنطقة الدراسة؟

1): منطقة الحوزية: مؤهلات طبيعية وبشرية متنوعة

   يساهم الموقع الجغرافي لمنطقة الحوزية في إعطاء هوية طبيعية وبشرية خاصة بها. فهي تشكل وحدة طبوغرافية يغلب عليها طابع الانبساط، تتلقى كتلا هوائية رطبة بفعل انفتاحها على المحيط الأطلنتي إلى جانب انتمائها إلى الطابق المناخي المتوسطي الذي يعرف تعاقب أربعة فصول تسمح بالقيام بأكثر من دورة زراعية داخل السنة الفلاحية. لكن بالموازاة مع هذه المميزات هناك تحديات يفرضها الوضع الطبيعي من قبيل تقطع وتموج السطح، تردد حالات الجفاف وعدم انتظام التساقطات المطرية، غياب موارد مائية سطحية دائمة بالإضافة إلى الانتشار الواسع للتربات الرملية ضعيفة الخصوبة والتي تقف عائقا أمام القيام بنشاط زراعي مثالي. 

   إلى جانب هذه الوضعية الطبيعية هناك وضع بشري يفرض نفسه داخل المجال بفعل الكثافة السكانية العالية المرتبطة بارتفاع عدد أفراد الأسرة الواحدة وما يرافقها من ايجابيات متمثلة في توفير يد عاملة قادرة على الإنتاج وسلبيات مرتبطة بتزايد الاستهلاك، حيث كلما زاد عدد السكان زادت متطلباتهم الغذائية. 

   وبفعل قلة مصادر التشغيل، يشكل النشاط الفلاحي القطاع الاقتصادي الأهم في المنطقة الذي تستطيع من خلاله الساكنة المحلية تلبية متطلباتها المعيشية اليومية بالضغط على الموارد المائية الجوفية والتربة الزراعية لتكثيف الإنتاج، لكن بفعل الانتشار الكبير للفئة غير المتمدرسة يمكن أن يؤدي الاستعمال المفرط والعشوائي للرصيد الطبيعي إلى إشكالات بيئية تهدد استدامة الموارد الطبيعية.

   إذن، بناءا على ما تقدم أعلاه، لابد من الوقوف ­ولو بشكل سريع ومختصر­ على حقيقة الإطار الطبيعي والبشري الذي يميز منطقة الحوزية.

1­-1: تشكل منطقة الحوزية إطارا طبيعيا متنوعا

1-­1-­1: تحتل الحوزية موقعا جغرافيا متميزا

   تنتمي منطقة الحوزية، طبيعيا، إلى الميسيطا الغربية الأطلنتية، تمتد بين واد أم الربيع في الشمال والشمال الشرقي، وكتلة الرحامنة في الشرق والجنوب الشرقي، وهضبة الجديدة في الجنوب والمحيط الأطلنتي في الغرب والشمال الغربي(.Mdiker N et al 2009, p234). وتمتد المنطقة على مساحة تقدر بحوالي 100 كلم²(Diagnostic territorial participatif de la commune rurale de Haouzia, juillet 2010, P 6).

   أما إداريا، فالمنطقة تنتمي إلى إقليم الجديدة ضمن جهة الدارالبيضاء­السطات، حيث يحدها شمالا جماعة أزمور وسيدي علي بنحمدوش، شرقا كل من جماعة أولاد رحمون وأولاد احسين، جنوبا جماعة الجديدة ومولاي عبد الله في حين يحدها غربا المحيط الأطلنتي (خريطة التقسيم الإداري للمغرب).

                                         الخريطة رقم 1: منطقة الحوزية ضمن الإطار الإقليمي، الجهوي والوطني    

                                     
المصدر: خريطة التقسيم الإداري، إنجاز: محمد اجميلو.

1-­1-­2: طبوغرافيا منخفضة يغلب عليها طابع التموج

   تتميز المنطقة، بشكل عام، بضعف الارتفاعات المطلقة مع أهميتها في الجنوب والجنوب الشرقي حيث توجد حافة كتلة الرحامنة وضعيفة في الشمال والشمال الغربي. وعليه، فإن المنطقة تتسم بالتدرج في الارتفاع من المجال الساحلي حيث الارتفاعات تكون ضعيفة نحو الداخل حيث تزداد أهمية الارتفاع، كما هو مبين على الخريطة أسفله.

الخريطة رقم 2: توزيع فئات الارتفاع داخل مجال الحوزية

المصدر: صور القمر الصناعي SRTM30، إنجاز: محمد اجميلو

   يظهر من خلال الخريطة مدى التباين الواضح في توزيع الارتفاعات داخل المنطقة بين المجالات قرب ساحلية والمجالات الداخلية في أقصى الجنوب والجنوب الشرقي هذا إلى جانب وجود بعض التموجات، تظهر بشكل كبير في القسم الداخلي من المنطقة، الناجمة عن الدينامية السطحية المرتبطة أساسا بالتعرية ونشاط المسيلات المائية الموسمية التي تؤدي إلى تخديد السطح وتغيير ملامحه، مما يعطي مجالات تلية ومنخفضات بيتلية.

   وكنتيجة طردية لضعف ارتفاع المنطقة فإن الانحدار هو الآخر يتسم بالضعف ويأخذ اتجاها عاما ينطلق من الجنوب والجنوب الشرقي نحو الشمال والشمال الغربي. وضعف الانحدار يجعل المنطقة تعرف تصريفا عموديا أحاديا يقلل من تشكيل المسيلات المائية التي تؤدي إلى تخديش وتخديد السطح، وبالتالي التقليل من عنف التعرية المائية من جهة، ومن جهة ثانية يعتبر هذا الانحدار ملائما ومناسبا للقيام بأنشطة زراعية.

1-­1-­3: مناخ يتسم بالتغايرية الشهرية، الفصلية والبيسنوية

   بحكم انتماء منطقة الحوزية إلى النصف الشمالي من المغرب، فإنها بذلك تتأثر بخصائص النظام المناخي المتوسطي، الذي يتميز بتعاقب أربعة فصول، هي: فصل حار وجاف (الصيف) وآخر دافئ ورطب (الشتاء) وفصلان انتقاليان، هما الربيع (فصل انتقالي بين الشتاء والصيف) والخريف (فصل انتقالي بين الصيف الشتاء) إلا أن انفتاح المنطقة على المحيط الأطلنتي ووجود واد أم الربيع في الشمال والشمال الشرقي فإن ذلك يساهم في خلق مناخ أو "منيخ" Micro-climat خاص بالمنطقة يعمل على تلطيف الجو خاصة في الفصل الحار وتلقي كتل هوائية رطبة تحد من وقع الجفاف وتساعد على القيام بأنشطة زراعية مختلفة في المنطقة.

   وفي ظل تموضع منطقة الحوزية على الواجهة الشمالية الغربية من سهل دكالة من ناحية، وانتمائها إلى الطابق المناخي المتوسطي من ناحية ثانية فإن النظام الحراري والمطري بالمنطقة يتميز بالتذبذب الشهري، الفصلي والبيسنوي.

1­-1-­4: تنتشر بالمنطقة أصناف ترابية ضعيفة التطور وواضحة التدهور

   تسود بمنطقة الحوزية تربات ضعيفة التطور، شبه معدنية خام، ساهمت في تشكيلها مجموعة من الآليات المرتبطة بالعوامل القارية والبحرية عبر أزمنة جيولوجية مختلفة. وسيادة هذا النوع من التربات داخل المنطقة يعد بمثابة امتداد للأنواع الترابية المميزة لمنطقة دكالة التي تتوفر على حقل ترابي يتميز بالتنوع من حيث الخصوصيات الفيزيائية والكيميائية، وتعتبر التطورات الجيولوجية من أهم العوامل التي خلقت اختلافات مجالية من حيث السحنات ومن حيث المظاهر الطبوغرافية، مما أدى إلى إفراز تربات ضعيفة التطور(أبخار فاطمة وأرويحا عبد اللطيف، 2007، ص 9.). ويطغى على المشهد الترابي بمنطقة الحوزية صنفان ترابيان، هما: التربة الكلس­مغنيزية والتربة الرملية.

   فالتربة الكلس­مغنيزية، التي تسمى محليا بتربة الحرش، تعد من أكثر التربات انتشارا في المنطقة، وتتميز بكونها تتطور فوق القاعدة الصخرية الكلسية وبحضور مهم لكربونات الكالسيوم(التركي ابراهيم، 2007، ص 52)، بالإضافة إلى كونها ذات بنية مفككة نظرا لافتقارها للمادة العضوية التي تعمل على تحسين بنية التربة. وهذه التربة تشغل حوالي %60 من مساحة المنطقة (.La monographie de CT d'Azemmour, 2010).

   أما التربة الرملية، التي تسمى محليا بالرمل، فتشغل حوالي %40 من مساحة المنطقة (La monographie de CT d'Azemmour, 2010)، وهي ذات بنية شتيتة، نسيجها متوسط الخشونة حجمه يتراوح بين 2 مم و0.05 مم، يمكن التمييز فيها بين الرمال الخشنة، الرمال المتوسطة والرمال الدقيقة، وتعتبر هذه التربة ذات مسامية عالية تسهل وتسرع عملية نفاذ الماء بطريقة عمودية إلى المسكات السفلى، مما يجعل النباتات الزراعية لا تلبي حاجياتها من المياه بالقدر الكافي، مما يتطلب سقيها أكثر من مرة في اليوم.

1­-1­-5: تتسم الموارد المائية بالمحدودية الكمية والنوعية

   تعتبر الموارد المائية بمنطقة الدراسة محدودة جدا وتواجه مجموعة من الإكراهات الطبيعية والبشرية تضعف جودتها وتجعلها مهددة ومعرضة للاستنزاف.

   فالموارد المائية السطحية، باستثناء واد أم الربيع دائم الجريان والذي يحد المنطقة من الواجهة الشمالية الشرقية، تتسم بالمحدودية، حيث يقتصر وجودها على المسيلات المائية الموسمية المرتبطة بالتساقطات المطرية، والتي تتبع الاتجاه العام للانحدار بالمنطقة من الجنوب الشرقي (كتلة الرحامنة) إلى الشمال الغربي تبعا لعاملي الجاذبية والانحدار، كما يظهر من خلال الخريطة أسفله.

الخريطة رقم 3: دور عامل الانحدار في تشكيل المسيلات المائية على سطح منطقة الحوزية

المصدر: صور القمر الصناعي SRTM 30، إنجاز: محمد اجميلو

   أما الموارد المائية الجوفية، فتتمثل أساسا في فرشة الساحل ‘’La nappe côtière’’  التي تشمل مجالا واسعا على طول الساحل الأطلنتي وعلى مساحة تقدر بحوالي 3100 كلم² وتجري داخل حزام رملي من الرباعي القديم وطبقات كلسية من الزمن الثاني (الكريطاسي) وتتشكل وارداتها من رشح المياه المطرية والجريان الباطني لجزء من المياه المنحدرة نحو المحيط الأطلسي(الحافظ ادريس، 2015، ص 172). وتشكل هذه الفرشة عماد الزراعة السقوية على الرغم من ملوحتها المرتفعة، عن طريق الضخ منها، ويتضح ذلك من خلال الانتشار الواسع لعدد الآبار الذي يفوق 900 بئر داخل رقعة جغرافية لا تكاد تتجاوز مساحتها 100 كلم²(Diagnostic territorial participatif de la commune rurale de Haouzia, 2010).

   يظهر من خلال ما تقدم أعلاه أن الوسط الطبيعي يقف حاجزا مانعا أمام القيام بنشاط زراعي يرقى إلى تطلعات الفلاحين. فالمعدل البيسنوي للتساقطات المطرية يبقى دون المعدل الذي يسمح بقيام نشاط زراعي مثالي (400 ملم)، في الوقت الذي تنتشر فيه تربات شتيتة ذات نسيج خشن تسرع من عملية نفاذ الماء دون أن تستفيد منه المحاصيل الزراعية، بينما تسجل الموارد المائية السطحية الغياب التام في حين تتسم الموارد المائية الجوفية بضعف جودتها بفعل ارتفاع ملوحتها.

1­-2: تضم منطقة الحوزية ساكنة مهمة لكنها غير مستقرة

   تبلغ ساكنة الحوزية، حسب إحصاء 2014، حوالي 28.821 نسمة (منهم 23 نسمة سكان أجانب)(نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى 2014)، تمتد على مساحة تفوق 100 كلم²، وموزعة بشكل غير متوازن على حوالي 33 دوار، وبكثافة مهمة تجعلها من بين أهم الجماعات ذات الكثافة المرتفعة داخل إقليم الجديدة، وهذه الكثافة المرتفعة تنعكس سلبا على المساحة الزراعية. فارتفاع عدد أفراد الأسرة الواحدة يتبعه تقسيم وتفتيت الأرض ­فيما بعد­ بين الورثة، مما يتسبب في تراجع الرقعة الزراعية وظهور مشاكل بيئية مرافقة لها بفعل تعدد المسالك التي تفصل وتوصل إلى هذه الاستغلاليات الضيقة وتشكل ممرات للإنسان والحيوان، مما يتسبب في كشط السطح وتحفيز استجابته إلى التعرية المائية والتذرية الريحية. وفي هذا السياق، فقد عرفت المنطقة تطورات واضحة على المستوى الديمغرافي في العقود الأخيرة، كما يظهر من خلال الرسم البياني الآتي (الشكل رقم 1).

الشكل رقم 1: تطور عدد السكان بمنطقة الحوزية مابين 1994 و2014

المصدر: نتائج إحصاء 1994، 2004 و2014.

   يظهر من الشكل أعلاه أن ساكنة المنطقة تتميز بعدم الاستقرار، ولعل هذا راجع إلى عدة أسباب يأتي في مقدمتها موضع المنطقة بين مدارين حضريين، أزمور في الشمال والجديدة في الجنوب، وما يرتبط به من هجرة سواء أكانت دائمة أو مؤقتة هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن المنطقة ريفية اقتصادها مرتبط ارتباطا عضويا بالزراعة التي تعتمد على الأمطار. وعليه فكلما كانت السنة الفلاحية رطبة وممطرة كلما انعكس ذلك على الإنتاج واستقرار السكان عكس السنوات الجافة المحفزة على طرد السكان نحو المجالات الحضرية.  

2): فرضت مجموعة من الظروف تسريع الانفتاح على الزراعة السقوية وتراجع أهمية الزراعة البورية

  لاشك أن الظروف الطبيعية والبشرية، التي جرى ذكرها سلفا، ساهمت وبشكل كبير في انفتاح "الفلاح الحوزي" على نمط زراعي أكثر إنتاجية من خلال تبني الزراعة السقوية هذا في الوقت الذي بدأ فيه التخلي التدريجي على الزراعة البورية وتراجع أهميتها لمردوديتها المتدنية.

   فالزراعة البورية؛ أصبحت زراعة ثانوية داخل المجال، يتعاطاها الفلاحون الذين لا يملكون أبارا للسقي، وتتمثل حصرا في أصناف الحبوب الثلاثة الرئيسية، القمح بنوعيه الطري والصلب والشعير بالإضافة إلى محصول الذرة. فهذا النوع من المحاصيل يعرف انتشارا واسعا داخل المجال إلا أن مردوديتها تبقى ضعيفة ومتغيرة ولا توازي المساحة المهمة المخصصة لها، وذلك بسبب الظروف الطبيعية القاسية، مما يجعلها تخصص فقط للاستهلاك الذاتي والاستفادة منها في توفير الكلأ للماشية. وفيما يلي الرسم البياني الذي يعبر عن المردودية الهزيلة للمحاصيل البورية التي لا توافق المساحة المخصصة لها من خلال استعراض حالة الذرة البورية (العلفية) على اعتبار أن جزء كبير من المساحة غير المسقية داخل المنطقة تخصص لهذا المحصول (الشكل رقم 2).

الشكل رقم 2: تطور مردودية الذرة البورية حسب المساحة الزراعية المخصصة لها

المصدر: المديرية الإقليمية للفلاحة بالجديدة.

   يظهر من خلال الإحصائيات الممثلة في الشكل البياني المساحة الشاسعة التي يشغلها محصول الذرة والتي تبقى الأهم مقارنة بباقي المحاصيل الزراعية الأخرى، حيث إن مساحة هذا المنتوج بلغت موسم 02/2001 حوالي 3600 هكتار كأقصى مساحة في الوقت الذي يشكل فيه موسم 12/2011 أدنى مساحة بما يقرب من 1260 هكتار.

   ما يمكن جرده من الشكل أعلاه أيضا أن هذه المساحة عرفت تطورا ملحوظا خلال هذه الفترة المدروسة، حيث انتقلت المساحة المحروثة من 2950 هكتار موسم 01/2000 إلى 1600 هكتار موسم 14/2013، وهذا التراجع يعتبر مؤشرا يدل على التخلي التدريجي للفلاحين عن المحاصيل البورية بشكل عام والذرة بشكل خاص وتراجع مكانتها وأهميتها لمحدودية إنتاجيتها مقابل الاتجاه نحو اعتناق نمط زراعي أكثر مردودية.

   أما فيما يخص المردودية فتبقى جد ضعيفة، حيث لم تتجاوز طيلة السلسلة المدروسة عتبة 7 قنطار/هكتار باستثناء موسم فلاحي واحد ألا وهو موسم 11/2010 عندما بلغت المردودية معدل 19 قنطار/هكتار. ومرد هذه الإنتاجية المتواضعة جملة من الأسباب يأتي في طليعتها التحدي الطبيعي المتمثل في المناخ وبدرجة أكبر التربة المتدهورة والتي تظهر في شكلها المعدني الخام، وبالتالي يبقى من الصعب الحصول على غلة عالية داخل هذا الإطار الطبيعي دون الاعتماد على السقي والأسمدة العضوية والكيميائية والمبيدات الحشرية والعشبية، فبدون استعمال هذه المدخلات تكون النتيجة ذبول مبكر في مرحلة النمو كما يظهر في الصورة التالية:

الصورة رقم 1: الذرة البورية في ظل صعوبة الأوضاع الطبيعية

المصدر: العمل الميداني يوم 10/04/2019 بدوار لعبابسة

   إذن، على الرغم من أن المحاصيل البورية تغطي جزءا كبيرا من مساحة المنطقة الزراعية إلا أنها تبقى ثانوية ولا يعول عليها الفلاح في دخله، فغالبا ما يزاول بالموازاة معها أنشطة أخرى مدرة للدخل، ثم إن هذه المحاصيل مرتبطة بالفلاحين  الذين لا يتوفرون على أي مصدر من مصادر السقي من جهة، وبثقافة وعقلية "الفلاح الحوزي" الذي تربطه علاقة وجدانية مع محاصيل الحبوب من جهة ثانية.

   أمام هذه الوضعية غير المرضية للزراعة المطرية، تصبح للزراعة السقوية أهمية كبرى داخل المجال، وذلك على الرغم من ضيق مساحتها التي لم تتجاوز 949 هكتار سنة 2010 أي ما نسبته %9 من إجمالي المساحة القابلة للزراعة والتي بلغت في نفس السنة 8194 هكتار(La monographie du CT d’Azemmour, 2010) إلا أنها، في العقود الأخيرة، أخذت المساحة المروية في التمدد ( أنظر الخريطة رقم 4) باعتبارها زراعة مسقية تسويقية ذات إنتاجية عالية وعوائد مادية مغرية يستطيع من خلالها الفلاح التغطية على تواضع المساحة الزراعية وتعويض مصاريف الإنتاج والاستجابة للمتطلبات الاستهلاكية الأسرية والعائلية.

الخريطة رقم 4: تمدد المساحة الزراعية المسقية بمنطقة الحوزية بين 1990 و2018

المصدر: صور القمر الصناعي Landsat 5-8، إنجاز: محمد اجميلو

   وتشمل الزراعة السقوية، من خلال ما كشفت عنه المعطيات المستقاة من الميدان، الاكتساح الواضح لزراعة الخضروات الممثلة أساسا في محصولي البطاطس والطماطم التي يفضلها "الفلاح الحوزي" لعائدها المادي المهم، وذلك على الرغم من ارتفاع تكاليف إنتاجها وصعوبة تسويقها ومشقة الإعداد والعمل اليومي. من بين المحاصيل التي تستفيد من عملية السقي أيضا نجد محصول الفصة الذي يتعاطاه الفلاح بفعل غياب المراعي بالمنطقة من جهة، ولتعليف الماشية التي تشكل بنكا للفلاح يستعين به في السنوات العجاف من جهة ثانية. ثم إلى جانب هذه المحاصيل، هناك محصول آخر لا يقل أهمية ألا وهو محصول الذرة السقوية الذي بدأ يغزو المنطقة في السنوات الأخيرة وأصبحت تخصص له مساحة مهمة توازيها مردودية مرتفعة كما يتبين من محتوى الرسم أسفله (الشكل رقم 3).

الشكل رقم 3: تطور مردودية الذرة السقوية حسب المساحة الزراعية المخصصة لها

المصدر: المديرية الاقليمية للفلاحة بالجديدة، 2019.

   يلاحظ أن المساحة المخصصة للذرة السقوية شهدت تطورا كبيرا، حيث انتقلت من 50 هكتار خلال الموسم الفلاحي 01/2000 إلى ما يقرب 1000 هكتار موسم 14/2013، وهذا التمدد في المساحة رافقه تلازما تضاعف الكمية المنتجة من محصول الذرة، حيث كانت لم تتجاوز كميتها موسم 01/2000 عتبة 29 قنطار/هكتار لتتخطى بعد ذلك ما حجمه 49 قنطار/هكتار موسم 14/2013، وعلى الرغم من أن الإنتاجية انتعشت بفعل توسع المساحة الزراعية إلا أنه لا يمكن ربط ذلك بعامل المساحة بل وجب استحضار عوامل أخرى يأتي في مقدمتها السقي واستعمال المواد المخصبة.

   لابد من الإشارة إلى أن تمدد المساحة الزراعية المسقية، وإن كان له ايجابيات عديدة، فله تبعات سلبية بالموازاة خصوصا على الموارد الطبيعية التي تأتي في مقدمتها التربة والماء على حد سواء. فاتساع الرقعة الزراعية المسقية يتبعها تزايد الطلب على ماء السقي الذي تعتبر الفرشة الباطنية مصدره الوحيد، مما يجعلها معرضة للنضوب بالإضافة إلى توظيف مجموعة من المركبات العضوية والكيميائية في عملية الإنتاج من قبيل ذرق الدواجن ‘’Fumier avicole’’ الذي يسمى محليا "المازير" لتطعيم التربة قبل عملية بذر البذور، ثم السماد الكيميائي الذي يستعمل ابتداء من فترة النمو لتزويد النباتات بحاجياتها الغذائية التي تفتقدها التربة، وتتم هذه العملية عبر ما يسمى بـ "السقي التسميدي" ‘’La fertigation’’.

   وما يدعو للقلق هو أن معظم الفلاحين ­إن لم نقل جميعهم­ يستعملون هذه المدخلات بطرق غير معقلنة لا تأخذ بعين الاعتبار حاجيات التربة منها، والخطير في المسألة هو استعمال هذه المركبات يتم على مدار السنة الفلاحية لكون الأرض الزراعية لا تخصص لها فترة للراحة، لأن تخصيص فترة لإراحة الأرض يعني "الموت جوعا" كما صرح به العديد من فلاحي المنطقة، وبالتالي هذا ما يعرض موارد المنطقة إلى الاستنزاف الكمي والتدهور النوعي عبر توالي السنوات.

3): تقييم مدى تأثير التكثيف الزراعي على جودة الموارد المائية والترابية بمنطقة الحوزية

   الاستعمال المكثف للمدخلات العضوية والكيميائية بطرق تقديرية وعشوائية يكون له وقع مباشر على جودة التربة والماء بإحداث تغييرات في تركيبتيهما الكيميائية عن طريق تسرب الملوثات الزراعية لهما، وبالتالي هذا ما يتسبب في تراجع جودتهما وتحولهما إلى وسط خصب لعيش الأحياء السامة تضر بالمحاصيل الزراعية.

   ولمعرفة حجم التأثير، تم الاعتماد على نتائج العينات (الماء والتربة) التي تم تحليلها في مختبر التربة والماء والنباتات بالمركز الجهوي للبحث الزراعي بسطات، وذلك لتحديد درجة التأثير أي هل هو تأثير محدود لا يشكل أي خطر أم أنه تأثير تجاوز المعايير المسموح بها يستوجب تدخلا عاجلا لإيجاد حلول آنية للحالة المحلية؟

1-3: تحديد جودة الموارد المائية المستعملة في سقي المحاصيل الزراعية

   تعتبر درجة الحموضة، الموصلية الكهربائية والنترات أبرز العناصر التي يظهر من خلالها تأثير الأنشطة الزراعية على الخصائص الكيميائية للموارد المائية.

1-1-3: درجة الحموضة (pH)

   تسجل درجة الحموضة بالعينات المدروسة توزيعا متباينا فيما بينها، حيث تتراوح بين 7.2 كأقصى قيمة وسجلت "بتكني" و6.8 كأدناها في "بحابحا"، في حين باقي العينات تنحصر بينهما. وهذا التباين في توزيع قيم الحموضة ترصده الخريطة أسفله.

الخريطة رقم 5: توزيع درجة حموضة الموارد المائية بمنطقة الحوزية

المصدر: محمد اجميلو، العمل الميداني والمخبري، 2019.

   وعلى الرغم من تذبذب قيم الحموضة إلا أنها تبقي جميعها قريبة من درجة الحياد (pH=7)، مما يجعلها لا تشكل أي ضرر على المحاصيل الزراعية، خاصة وأنها توجد ضمن المعدل الطبيعي الذي ينصح به وطنيا والذي يتراوح بين 6.5 و 8.5 (Secrétariat d’Etat auprès du Ministère de l’Energie, des Mines, de l’Eau et de l’Enivrement, Chargé de l’Eau et de l’Environnement).

2-1-3: الموصلية الكهربائية (CE)

   تمثل الموصلية الكهربائية محتوى الأملاح الذائبة في محلول الماء، وتركيزها يحدد الضغط الأزموزي ‘’La pression Osmotique’’ الذي يمكن أن ينتج عنه صعوبة امتصاص النباتات للماء والعناصر الغذائية، وبالتالي عرقلة نموها، مما يترتب عنه تراجع المردودية الزراعية (A. Larque. P 69.).

   وفي مجال الدراسة، تعرف الموصلية الكهربائية ارتفاعا مهما مع تباين توزيعها داخل المجال. فقيمة الموصلية الكهربائية تتراوح بين 4,13 ملموس/سم كأدنى قيمة وعرفتها "صبيطات" و8,2 ملموس/ سم كأعلى قيمة وسجلت في "بحابحا". وما تشترك فيه العينات هو ارتفاع الكبير في الملوحة  والذي يتجاوز معايير الجودة الوطنية والدولية لكونها توجد جميعها ضمن فئة المياه شديدة الملوحة والذي يتراوح بين 3 و7 ملموس/سم، ولكنها تختلف من حيث ملوحتها من عينة لأخرى أي أن هناك تباينا واضحا في توزيع الملوحة داخل المجال كما توضحه الخريطة التالية:

الخريطة رقم 6: توزيع الموصلية الكهربائية حسب الموارد المائية بمنطقة الحوزية

المصدر: محمد اجميلو، العمل الميداني والمخبري، 2019.

   المثير للانتباه في الخريطة أعلاه، هو كون المناطق القريبة من المحيط أو التي توجد في القسم الساحلي تنخفض فيها درجة الملوحة مقارنة بالمناطق التي تنتمي إلى القسم الداخلي، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر، منطقة "زحيحيف" الموجودة والمطلة على المحيط، حيث بلغت فيها درجة الملوحة 4,8 ملموس/سم، بينما بلغت نسبة الملوحة أقصاها في المناطق الداخلية ونخص بالذكر هنا "بحابحا" التي تجاوزت فيها درجة الملوحة 8 ملموس/ سم.

   والجدير بالذكر أن السقي بالمياه شديدة الملوحة يضر بالتربة والمحاصيل الزراعية، حيث أن السقي بالماء المشبع بالأملاح يؤدي إلى تراكم هذه الأخيرة في التربة، وذلك عندما يتعرض الماء للتبخر وتترسب الأملاح في التربة وتتشكل قشرة ملحية على السطح تعيق نمو المحاصيل الزراعية، وبالتالي هذا ما يؤدي إلى تدهور التربة الزراعية وتملحها، مما ينجم عنه قلة المردود من المحاصيل الزراعية(م المبارك عثمان وآخرون، 2013، ص 67)، وتأخر أو ضعف إنبات البذور، وقلة النمو الخضري وحدوث أضرار محددة على الأوراق وموت النباتات(م عبد الرحيم الوكيل؛ شتنبر 2013، مقال: جودة مياه الري، ص 3).

   ويمكن تفسير ارتفاع الملوحة داخل مجال الدراسة بشكل عام وتجاوزها لمقاييس الجودة الوطنية والعالمية بعاملين أساسيين، هما: العامل الطبيعي والبشري.

   فالعامل الطبيعي، يتجلى في المناخ شبه الجاف الذي يتميز بطول الفصل الحار، حيث يتعرض السطح خلال هذه الفترة إلى عملية التبخر الذي ينتج عنه تركيز الأملاح، سواء تلك المرتبطة بملوحة مياه السقي أو تلك التي وصلت إلى المنطقة بفعل الرذاذ البحري ‘’Embruns marins’’، على السطح لتنقل بعد ذلك إلى المياه الجوفية خلال الفترة الرطبة بفعل التساقطات المطرية، هذا بالإضافة إلى القاعدة الصخرية الغنية بالكربونات (CO3) التي تفرز العديد من العناصر الكيميائية والتي تؤدي إلى تملح الفرشة الباطنية.

   أما العامل الثاني، فيتمثل في الاستغلال المفرط للفرشة المائية الجوفية في العقود الأخيرة، والذي تزامن مع تردد حالات الجفاف وزيادة الطلب على مياه السقي المرتبط بالنمو الفلاحي المواكب للتزايد الديمغرافي الذي عرفته المنطقة، عن طريق تكثيف الضخ منها لتلبية حاجيات النبات من مياه السقي. فالضخ المكثف من الفرشة الباطنية على مدار سنين من الاستغلال يتبعه تراجع مستوى الفرشة الباطنية ويمهد لمياه المحيط المالحة التسلل إلى الفرشة لتعويض ما فقدته في إطار ما يعرف بظاهرة التسرب البحري ‘’L’intrusion marine’’خاصة وأن المنطقة تعتبر منطقة احتكاك واتصال بالمحيط، مما يسهل نشاط هذه العملية.

   أما تباين توزيع الملوحة من عينة لأخرى داخل المجال، فيمكن ربطه بالعوامل المحلية المتمثلة في سلوك الفلاح وطريقة تعامله مع أرضه ومدة السقي وكمية الأسمدة التي يستعملها إضافة إلى عامل آخر مرتبط باختلاف توزيع مساحة المشارات السقوية من منطقة إلى أخرى داخل مجال الدراسة، حيث كلما زادت مساحة الاستغلالية السقوية زاد معها استعمال الأسمدة مما ينجم عنه إفراز الأملاح التي تتسرب إلى الفرشة الباطنية إما عن طريق السقي أو بفعل التساقطات المطرية أي أن تفاوت توزيع الملوحة داخل المجال مرتبط بالتلوث المحلي ‘’La contamination locale’’.

3-1-3: النترات (NO3¯)

   توجد النترات بشكل طبيعي في المياه الجوفية ومياه الأمطار بكميات قليلة، لكن هذه الكمية تزداد في المناطق التي يقوم فيها الفلاحون برش الأسمدة غير العضوية والأسمدة الحيوانية على الأراضي المزروعة وبعد ري هذه الأراضي يتسرب النتروجين/الآزوت غير المستهلك من قبل النباتات عبر التربة إلى المياه الجوفية( برهان علي أحمد، 2013، ص 40).

   فيما يخص التلوث بالنترات في المنطقة المدروسة، فإنها تعرف توزيعا متباينا داخل المجال يرتبط بمدى استعمال الملوثات الزراعية، بحيث يتأرجح محتوى الماء من النترات ما بين 9,8 ملغ/لتر كأقل تركيز و59 ملغ/لتر كأقصاه وسجلت في عينة "معيزات" متخطية بذلك عتبة المعايير المسموح بها. والنترات هي الأخرى تعرف توزيعا متفاوتا داخل مجال الدراسة كما هو موضح في الخريطة رقم 7. 

الخريطة رقم 7: توزيع محتوى العينات المائية من النترات بمنطقة الحوزية

المصدر: محمد اجميلو، العمل الميداني والمخبري، 2019.

   يظهر بشكل جلي أن المناطق الداخلية هي الأكثر تركيزا بالنترات مقارنة بالمناطق الساحلية نظرا لكون الأولى تعرف تكثيفا زراعيا يعتمد على الملوثات الزراعية عكس الثانية التي يسود بها تكثيف زراعي نظيف مرتبط بالمحاصيل العلفية التي لا تحتاج إلى المركبات العضوية والكيميائية.

2-3: تقييم جودة التربة الزراعية بمنطقة الحوزية

   يؤدي التكثيف الزراعي الجائر الذي لا يأخذ بعين الاعتبار الأبعاد البيئية واستدامة الموارد الطبيعية إلى العديد من المشاكل، تعتبر التربة المتضرر الأكبر منها، نظرا لكونها منطقة التماس والاتصال المباشر مع الأنشطة الزراعية وملوثاتها.

   وفي منطقة الدراسة، تتعرض التربة إلى ضغط كبير على مدار السنة، مما يزيد من احتمالية تدهور حالتها الفيزيائية والكيميائية ونقصان عناصرها الغذائية وفقدان خصوبتها، مما يؤثر على المحاصيل الزراعية. ومن أجل معرفة مقدار الضرر الذي تلحقه الزراعة الكثيفة بالتربة تم إخضاع العينات الترابية المحصل عليها من الميدان إلى الدراسة المخبرية.

   وفي سياق متصل، فإن العينات الترابية تعود إلى مشارات زراعية ذات نظام إنتاج مختلف، حيث إن اثنتين منها مشارات سقوية، الأولى تمارس فيها زراعة الطماطم سنرمز لها بـ(م 1) والثانية محصول الذرة ونرمز لها بـ(م 2) للمقارنة أيهما أكثر تأثيرا من الأخر على جودة التربة، بينما العينة الثالثة تنتمي إلى مشارة ذات نظام إنتاج بوري متمثل في القمح الصلب ورمزها (م 3)، وذلك من أجل مقارنة حجم تأثير الزراعة السقوية مقارنة بالبورية، في حين أن الرابعة تمثل مشارة شاهد لا يمارس فيها أي نشاط تكون بمثابة المرجعية التي يقاس عليها باقي النتائج على اعتبار أنها تمثل الوضع العادي للتربة داخل المجال. 

1-2-3: درجة الحموضة في التربة (pH)

   يعتبر الأس الهيدروجيني (pH) بمثابة مقياس لتحديد حموضة أو حيادية أو قاعدية التربة الزراعية. فكلما نزلت درجة الحموضة عن 7 أدى ذلك إلى تراكم العناصر والأحياء الضارة وتسميم النباتات، أما إذا اتجهت الحموضة نحو القاعدية (pH>7) فذلك يصعب من عملية امتصاص النباتات غالبية العناصر الغذائية. وفيما يتعلق بنتائج درجة الحموضة للعينات المدروسة بمنطقة الدراسة، فإنها تتجه كلها نحو القاعدية كما يشير إلى ذلك الشكل أسفله (الشكل رقم 4).

الشكل رقم 4: توزيع متوسط درجة الحموضة بالعينات المدروسة

المصدر: محمد اجميلو، العمل المخبري، 2019.

   يستنبط من النتائج الممثلة أعلاه أن الأس الهيدروجيني (pH) للعينات الترابية فهو قاعدي، حيث أن كل نتائج الحموضة لهذه العينات تتراوح بين 7.8 كأخفض قيمة والتي سجلت بالمشارة (م 2) التي يزاول فيها محصول الذرة و8.3 كأعلى قيمة وقد عرفتها المشارة (م 3) أي التي يمارس فيها القمح الصلب، بينما سجلت على التوالي 8.1 و8 بكل من مشارة الطماطم (م 1) والشاهد.

   ارتفاع قيمة الحموضة بالعينات الترابية نحو القاعدية، يمكن تفسيره بعاملين، أحدهما طبيعي والآخر بشري. فالأول  متمثل في تفاعل المناخ شبه الجاف مع القاعدة الصخرية التي يغلب على مركباتها العدانية الكلس، حيث أن المناخ شبه الجاف يتميز بوجود فصلين متناقضين، الأول دافئ ومطير يتعرض فيه صخر الكلس إلى عملية الإذابة ويتحول إلى محلول يتم نقله إلى السطح بفعل الخاصية الشعيرية في الفصل الحار وترسيبه في المسكات العليا من القطاع الترابي. أما العامل البشري، فيكمن في طريقة الحرث التي تعتمد على الجرار كوسيلة رئيسية للحرث في المنطقة، حيث أن المحراث يمكن أن يصل إلى حدود القاعدة الصخرية وتفكيكها ميكانيكيا، خاصة وأن التربة في المنطقة ضعيفة السمك وشتيتة، وهذا ما دفع العديد من الفلاحين إلى الاقتناع بفكرة التخلي عن الجرار لصالح وسائل أخرى تقليدية.

2-2-3: قيمة الموصلية الكهربائية (CE)

   تعتبر الموصلية الكهربائية من بين القياسات الضرورية للتعرف على جودة التربة، نظرا لكونها تفيد في تقدير تركيز الأملاح الذائبة في مستخلص التربة. فتحديد الملوحة في التربة في غاية الأهمية، خاصة في الاستغلاليات السقوية لشدة حساسية المحاصيل المروية اتجاه الملوحة، حيث أن الملوحة المرتفعة ينجم عنها ارتفاع الضغط الأزموزي/التناضحي وبالتالي خنق جذور النباتات وإعاقة نموها. وفي هذا الاتجاه، أبانت نتائج تقدير الموصلية الكهربائية (الممثلة في الشكل رقم 7) في العينات الأربع عن ضعف تركيز الملوحة عكس ما كان مفترضا، خاصة في ظل الملوحة الشديدة التي سجلتها مياه السقي.

الشكل رقم 7: نتائج تقدير الموصلية الكهربائية لعينات الدراسة

المصدر: محمد اجميلو، العمل المخبري، 2019.

    تتراوح درجة الملوحة بالعينات الأربع ما بين 0,1 ملموس/سم كأدنى قيمة وقد عرفتها العينة (م 3) المخصصة للقمح الصلب، بينما أعلى قيمة سجلت بمشارة الذرة (م 2) بما يقرب 0,3 ملموس/سم. إذن، يظهر من خلال هذه النتائج، أن التربة ضعيفة الملوحة رغم أنها تقع في منطقة تخضع للمؤثرات البحرية عن طريق رذاذ البحر المالحة التي تأتي بها الرياح، والمناخ شبه الجاف الذي يساهم في تنشيط عملية التبخر وتركيز الأملاح على السطح بالإضافة إلى السقي بمياه الفرشة الباطنية شديدة الملوحة.

   للوهلة الأولى قد تظهر هذه النتائج غير موضوعية، ولكن يمكن تفسيرها من خلال استحضار بنية التربة التي تتدخل لتسهيل عملية غسل وتصريف الأملاح بفعل مساميتها العالية، مما يجعل الماء ينفذ بسرعة نحو الطبقات السفلى ناقلا معه الأملاح التي تم غسلها. وارتباطا بهذه العملية، ومن باب الأمانة والمصداقية العلمية، لابد من الإشارة إلى أن توقيت جمع العينات كان له دور كبير في التأثير على هذه النتائج، حيث تم جمع العينات من الميدان مباشرة بعد التساقطات المطرية المركزة التي عرفها المغرب بصفة عامة ومنطقة الحوزية بصفة خاصة في بداية شهر أبريل 2019، حيث ساهمت هذه التساقطات في تخفيض تركيز الأملاح بالتربة المدروسة.

3-2-3: المادة العضوية (MO)

  تمثل المادة العضوية في التربة بقايا الجذور، المواد النباتية، والكائنات الدقيقة في مختلف مراحل التحلل والتركيب، كما تتسم بتنوع مكوناتها(جون راين وآخرون، 2003، ص 46 وتلعب أدوارا مهمة في استقرار التربة، وتراص حبيباتها، وتوفير الرطوبة والعناصر المغذية للنبات. وبخصوص ما أفرزته نتائج تحليل العينات، فإنها تظهر تباينا في توزيع نسبة المادة العضوية بين المشارات الأربع كما هو مبين في الشكل رقم 8.

الشكل رقم 8: توزيع متوسط العينات الترابية حسب نصيبها من المادة العضوية

المصدر: محمد اجميلو، العمل المخبري، 2019.

   يستنتج من النتائج الممثلة أعلاه، أن نصيب العينات المدروسة من المادة العضوية يعرف توزيعا متباينا فيما بينها، حيث أن أعلى متوسط تم تسجيله في المشارة الشاهد بنسبة بلغت %3,2 متبوعة بمشارة الطماطم (م 1) بما يناهز %2,6، في حين أدنى متوسط شهدته مشارة الذرة (م 2)، هذا في الوقت الذي بلغت فيه نسبة المادة العضوية %1,8 بالمشارة البورية الخاصة بمحصول القمح الصلب (م 3).

   وبصفة عامة، يمكن اعتبار العينات الترابية التي خضعت للتحليل المخبري متوسطة إلى جيدة الخصوبة مقارنة بالمعايير الوطنية لتقييم التربة المبوبة في الجدول أسفله.

جدول رقم 1: المعايير الوطنية لتقييم خصوبة التربة

التصنيف

منخفضة جدا

منخفضة

متوسط

معتدل

جيدة جدا

م. العضوية%

أقل من 0,7

بين 0,7 و1,5

بين 1,5 و3

بين 3 و6

أكثر من 6

المصدر: مركز الدراسات التقنية والإرشاد الفلاحي (2006)

   فباستثناء المشارة الشاهد التي تندرج ضمن فئة الخصوبة الجيدة نتيجة احتوائها على أعلى نسبة من المادة العضوية (%3,2)، وذلك بفعل كونها تعرف تغطية نباتية مهمة توفر المادة الخام (الأنفوضة) التي تتحول بفعل التأثيرات المناخية والإحيائية إلى ذبال ‘’Humus’’، فإن باقي العينات الترابية تندرج ضمن فئة متوسطة الخصوبة. تفيد المشارة الشاهد على أن ترك الأرض راكدة لمدة معينة دون استعمالها يتيح لها الفرصة لاكتساب قدر كافي من المادة العضوية تفيد في الحفاظ على استقرار التربة واستدامتها والزيادة في إنتاجيتها.

   وجود المادة العضوية بنسب مهمة في التربة الرملية بالمشارات المدروسة، خاصة المسقية منها، يبرر باستعمال أصحاب هذه المشارات السماد العضوي (ذرق الدواجن) قبل بدء عملية بذر البذور في التربة للتقليص من حجم تدهور وفقر التربة من المادة العضوية، ولكن هذه الأسمدة العضوية تضاف إلى التربة بكميات كبيرة وبدون معالجة مسبقة يجعل منها مصدرا للنباتات الضارة والكائنات المجهرية المسببة للأمراض التي تحتويها، مما يجعلها تتحول إلى ملوث عضوي.   

4-2-3: محتوي التربة من النترات (NO3¯)

   عكس الموارد المائية التي تتعرض للتلوث النتراتي عبر نقل الملوثات الزراعية من السطح إلى الباطن عن طريق التساقطات المطرية أو السقي، فإن التربة تتعرض للتلوث بالنترات بطريقة مباشرة نظرا لكونها الوسط الذي يمارس فيه النشاط الزراعي، ويتلقى مختلف أنواع المخصبات العضوية والكيميائية التي تزيد من تركيز النترات في التربة وتحولها إلى وسط ملوث وخصب لعيش الأحياء الطفيلية السامة التي تلحق الضرر بالإنسان والميدان الذي يعيش فيه. وفي سياق متصل فإن نتائج التحليل المخبري للعينات الترابية أعطت قيما مرتفعة لتركيز النترات حسب ما يظهره الشكل رقم 9.

الشكل رقم 9: توزيع متوسط تركيز النترات في عينات التجربة

المصدر: محمد اجميلو، العمل المخبري، 2019.

   كتشخيص للنتائج الموضحة أعلاه، يمكن القول بأن تركيز النترات في التربة مرتفع ومتقارب بين العينات الأربع وإن كان ذلك يظهر بشكل كبير في العينات (م 1) و (م 2) على التوالي بتركيز 97 و96 جزء من المليون في الكيلوغرام (mg/kg)، وهذا طبيعي بالنظر إلى أن المشارة الأولى تمارس فيها الطماطم والثانية الذرة السقوية وكلا المحصولين يستهلكان كميات كبيرة من المبيدات، المواد العضوية والكيميائية من فترة النمو إلى فترة الإثمار، في المقابل سجلت العينة  (م 3) أدني قيمة بتركيز 90 جزء من المليون، أما المثير للانتباه هو المشارة الشاهد التي بلغ فيها تركيز النترات 92 جزء من المليون على الرغم من أنها لا تعرف أي نشاط زراعي.

   فارتفاع تركيز النترات في العينة (م 3) والمشارة الشاهد ولو بدرجة أقل مقارنة مع المشارات السقوية، يمكن تحليله من خلال أن العينة (م 3) التي تمثل القمح الصلب ليست مشارة بورية صرفة بل هي ذات نظام إنتاج مزدوج ووجود القمح الصلب في هذه الفترة ما هو إلا لإراحة الأرض، خاصة وأن الحيازة التي تنتمي إليها هذه المشارة تتوفر على بئر للسقي  كما أن القمح الصلب هو الآخر يتم تسميده بالأسمدة الكيماوية والعضوية المسؤولة عن تركيز النترات. أما نصيب المشارة الشاهد من النترات ­ربما­ مرتبط بدورة النتروجين التي تعطي النترات من أصل عضوي طبيعي.

خلاصة عامة

   نظرا لكون الحوزية منطقة ذات هوية ريفية وخلفية اقتصادية أحادية يمثلها النشاط الزراعي، الذي يجمع بين البوري والسقوي، إلى جانب تربية الماشية ولو بشكل ثانوي هذا فضلا عن الضغط الديمغرافي الذي يرافقه تزايد الطلب على الحاجيات الغذائية من المنتجات الزراعية، فهذا لا يجعل "للفلاح الحوزي" بديلا سوى تكثيف استعمال الأرض ما استطاع إليه سبيلا قصد استخراج أكبر قدر من المكاسب، لكن صعوبة الوضع الطبيعي تقف حاجزا مانعا أمام القيام بنشاط زراعي ذي مردودية مهمة، مما يدفع الفلاح إلى الاستعانة بالأسمدة العضوية والكيميائية والمبيدات الحشرية والعشبية للزيادة في الإنتاجية والتقليص من المحدودية.

   فأمام تكثيف استعمال الأسمدة والمبيدات، الذي لا يأخذ بعين الاعتبار حاجيات التربة والنبات مع عدم تخصيص فترة من السنة لإراحة الأرض، أصبحت التربة الزراعية ومياه الفرشة الباطنية مهددة ومعرضة للتلوث الكيميائي، وهذا ما ظهرت ملامحه من خلال نتائج التحليل المخبري لكليهما.

قائمة المراجع والمصادر

 المراجع باللغة العربية:

  •       أبخار فاطمة وأرويحا عبد اللطيف؛ 2007، تدهور الأراضي وإستراتيجية وتدبير وصيانة التربة والموارد المائية في منطقة عبدة دكالة. ورد في منشورات جماعية تحت إشراف عبد الله لعوينة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، جامعة محمد الخامس أكدال، ص 9.
  •       التركي ابراهيم؛ 2006ـ2007، إشكالية استدامة الماء بمنطقة زعير بين قلة الموارد وتزايد الطلب. أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في الآداب، تخصص جغرافيا، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية، ص52.
  •        الحافظ إدريس؛ 2015، الموارد المائية بالمغرب: الإمكانات، التدابير والتحديات. المطبعة الرقمية ، وجدة، ط1، ص 172 و281.
  •     برهان علي أحمد؛ 2013. إزالة النترات من المياه الجوفية باستخدام الأحياء المجهرية الفعالة (EM)، مجلة تكريت للعلوم الهندسية، المجلد 20، العدد 1، ص 40.
  •     جون راين وآخرون؛ 2003. تحليل التربة والنبات­دليل مختبري، المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة  (ICARDA)، حلب، سورية، ص 46.
  •       محمد اجميلو؛ 2019، التكثيف الزراعي وتأثيره على الموارد المائية والترابية بمنطقة الحوزية. بحث لنيل شهادة الماستر، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، المحمدية.
  •       محمد المبارك عثمان وآخرون؛ 2013، تأثير نوعية مياه الري على تملح الترب الزراعية بمنطقة مرزب جنوب ليبيا. مجلة جامعة سبها (العلوم البحثة والتطبيقية)، المجلد الثاني عشر، العدد الثالث، ص 67.
  •      محمد عبد الرحيم الوكيل؛ شتنبر 2013، مقال: جودة مياه الري، ص 3.

   المصادر باللغة العربية:

  •      الجريدة الرسمية؛ أبريل 2015، نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى 2014.
  •       المديرية الإقليمية للفلاحة بالجديدة 2019.
  •      خريطة التقسيم الإداري للمغرب 2015.
  •       مركز الدراسات التقنية والإرشاد الفلاحي؛ 2006، تحاليل مياه الري والتربة والنبات. وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، المملكة المغربية، ص 33.
  •       صور القمر الصناعي5-8 Landsat.
  •       صور القمر الصناعي SRTM 30M

   المراجع باللغة الفرنسية:

  A. Larque. Critères de qualité des eaux pour un usage en irrigation, évolutions et prévisions dans les açudes du Nordeste brésilien semi-aride, p 69.

  Mdiker N et al. Contribution à l’étude de la salinisation de la nappe côtière de sahel EL Haouzia région d’EL Jadida au Maroc, Afrique science 2009, P 234.   

    المصادر باللغة الفرنسية:

  Diagnostic territorial participatif de la commune rurale de Haouzia, juillet 2010, P 6 et 7.

  La monographie du CT d’Azemmour, 2010.

  Secrétariat d’Etat auprès du Ministère de l’Energie, des Mines, de l’Eau et de 

l’Enivrement, Chargé de l’Eau et de l’Environnement.

لتحميل المقال بصيغة PDF المرجو الضغط هنا

تعليقات

التنقل السريع